الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

تبرئة سعادة الدكتور محمد أبو رزيزة الأكاديمي بجامعة أم القرى من تهمة الخلوة التي وجهت إليه

طالعتنا صحيفة الوئام في الأيام الماضية بخبر الأمر السامي بتبرئة سعادة الدكتور محمد أبو رزيزة الأكاديمي بجامعة أم القرى من تهمة الخلوة التي وجهت إليه، وجاء في ثنايا الخبر (وقد أكد الأمر السامي على حفظ القضية تماماً ، لثبوت أن ما تعرض له الدكتور الأكاديمي كان مكيدة مدبرة بفعل حاقد ، وذلك بصرف النظر عن الحكم القضائي السابق الذي صدر في حقه والذي كان مبنياً على حيثيات وشهادة باطلة وكل ما بُنِي على باطل فهو بـاطل)
وجاء هذا الأمر في سياق توجيه المذكور نقداً إلى بعض ممارسات رجال الهيئة الأمر الذي أثار حفيظة كثير منهم مما دفعهم إلى تدبير مكيدة الخلوة المحرمة، و”قد أظهرت الجهة المعنية بالأمر هيئة الإدعاء و التحقيق العام براءته في المرتين و حفظت التحقيق، مما حدا ببعض الأيادي الخفية للتدخل و إحالة الأمر في المرة الثانية إلى المحكمة الجزئية تعسفاً و إصدار حكم يقضي بسجنه ثمانية أشهر و جلده 3000 جلده و منعه من مجال الإرشاد الأسري و تحويله من التدريس الأكاديمي إلى عمل إداري، و قد كان هذا الحكم القضائي سابقة خطيرة ألأمر الذي أثار تحفظات الكثير من الجهات الحقوقية و الإنسانية داخل المملكة و خارجها” (من المصدر السابق)
مع مثل هذه الأخبار يحق للمرء أن يتساءل كثيراً، ويطرح الأسئلة العميقة حتى يستخلص الجذور ويكون على بينة من واقعه،
فهل مقاصد الإسلام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تصل لحد تدبير المكائد وتصفية الحسابات؟! بل هل عدالة الإسلام والنظام التشريعي فيه يصل لهذا الحد المخجل لديننا ولدولة الحرمين ومهبط الوحي، بل وفي مكمن الدعوة الإصلاحية النجدية التي أطلقها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بحيث يكون الأمر أشبه بالذي يصطاد الدنيا بالدين؟!
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم إنني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء باسم دينك، وباسم شريعتك، اللهم إنني أبرأ إليك من كل دعيّ مدخول النية مشبوه التدين خاوي القلب والعقل ، لا يفهم من الاسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، همهم بطونهم، وقبلتهم نساؤهم..
ربما يدعي البعض بأن الأمر أهون بكثير وأنني مبالغ مثل وسائل الإعلام وموقع العربية نت ووو . لكن.. الذي أثار حفيظتي لهذا الحد هو أن هذا الأمر يحصل في بؤرة التحكيم بالشريعة الإسلامية، التي من المفترض أن تكون أقصى ما يمكن من حيث المصداقية والنزاهة والشرعية والأبعد عن الشبهات والغرائز والطرق المحرمة ، وبالتالي فالأمر فادح والخطب جلل!
والآن، دعونا نتساءل سؤالاً مشروعاً، وهو كيف حصل هذا الأمر ؟!
في الحقيقة هذا السؤال كبير، وهذا الحدث جاء كنتيجة ليس إلا، لتراكمات طويلة من الأخطاء، بالإضافة إلى الأمان وانعدام النقد الذاتي، ففي المثل “من أمن العقوبة أساء الأدب” ومن هذا الباب، فأنا أعتبر أن الصلاحيات الكبيرة المُعطاة لرجال الهيئة بجانب فكرة فرض “الوصاية” على المجتمع هما السببان الجوهريان الذين أديا إلى حصول مثل هذا الخطأ الشنيع الذي لا يمت لأي دين بصلة فضلاً عن كونه دين يحث على العدالة حتى مع الأعداء.. !
طبعاً فكرة الوصاية هذه كذلك نتجت من ظروف تاريخية قديمة ، حين كان المجتمع صغيراً وجميع المجتمع يعرف بعضه برجاله ونسائه، فصار بإمكان السلطة أن تراقب الناس وتتابع هفواتهم وترشدهم للطريق الصحيح، علماً بأن هذه السلطة هي نفسها سلطة المجتمع، وليس هنالك أحد مكلف دينياً بفعل هذا، فهذا واجب عينيّ على الكل، بل لدرجة أن الأمة مميزة بفعل هذا الأمر “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر” ، ولاحظ أنها الأمة وليس بعض منها.
بعد تعقد المجتمع ، ودخوله في عهد النفط والمال والثروة ، ظهرت فرص العمل وعجّ البلد بمختلف الطوائف والأعراق، وتداخلت الثقافات فيما بينها، وحصل انقسام وعزلة داخل المجتمع الواحد، وأتمّ هذا المسلسل ما يسمى بالعولمة والتلفزيون والانترنت، وظهر مجتمع جديد تماماً، يكاد ينسلخ من خصائصه عن المجتمع السابق، فظهرت – أو ربما رأى البعض – الحاجة إلى سلطة تردع فعل المنكرات فالبلد محافظ وهو بلد الوحي، فكانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمساندة قضائية شرعية.
تطبيق فكرة الوصاية بتفاصيلها صعب للغاية وستفرض أثمان باهضة، هذا إن كان الأمر عدلاً ولا تمييز فيه، ولكن الذي لا يدرك كله قد يُدرك بعضه، ولأن الصلاحيات متوفرة والإعداد ضعيف نسبياً، فقد حصل قصور كبير ، وإسراف في استخدام الصلاحيات المخولة، يحدوا بهم إلى تدبير المكائد وصناعة المصائد وتصفية الحسابات الشخصية مع الخصوم، وكل ذلك تحت غطاء الوصاية أو حماية المجتمع من المنكرات.
أرجوكم لا تفهموا أني ضد فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. أبداً أبداً، بل أنا من المساندين لها بكل ما أوتيت من قلم ورأي، لكني لا أساند التنكر باسم الدين والشريعة، ليكون الأمر مجالاً للحسابات الشخصية، ويكون المجال مفتوحاً أمام كل من اقفلت في وجهه السبل وأغلقت أمامه الوظائف، ليجد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر راتباً يتقاضاه ويسمونه بالمحتسب، فنحن ما أوتينا أكثر ما أوتينا إلا من قبل مثل هذا التدين الخاوي من كل ما يمت للإيمان بصلة.
فهل سنرى أنموذجاً أكثر تطوراً في إنكار المنكرات من جهاز الهيئة الحالي في المستقبل القريب ؟!
هذا ما أرجو وأحرص عليه. وإلى ذلك الحين يبقى منقوشا على صدر القضية
إذا جــــــــار الوزيـــــر وكــــاتبــــــاه
وقاضي الأرض أجحف في القـضاء
فــويل ثــــم ويـــــل ثــــــم ويـــــل
لقاضي الأرض من قاضي السماء

هناك تعليقان (2):