شعب الجزائري مسلم
وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله
أو قال مات فقد كذب
ما هو الدور الذي إضطلعت به جمعية العلماء المسلمين في
الجزائر !
وكيف إستطاعت هذه الجمعية أن تصون شخصية الجزائر العربية و
الإسلامية !
وهل نجحت في مقاومة التغريب والفرنسة و الإستئصال الثقافي و
الحضاري !
وهل كان فعلها الثقافي مقدمة لصناعة الفعل الثوري !
إلى أي مدى نجح الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح في
الجزائر في تكريس البعد العربي والإسلامي و مقاومة الإستعمار الفرنسي !
أليس هو الذي قال : و الله لو طلبت مني فرنسا أن أقول لا إله
إلا الله ما قلتها .
___________________________________________
لعب الشيخ عبد الحميد بن باديس و إخوته في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
أكبر الأدوار في إعادة بناء الإنسان الجزائر و صقل شخصيته القائمة على بعدي
العروبة والإسلام , وكان مؤسسّ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يرى أنّه يستحيل
على الجزائريين أن يحاربوا فرنسا وهم مستلبون حضاريّا وثقافيا , فعكف على إقامة
المعاهد التعليمية و المدارس القرآنية و العربية التي ألغتها فرنسا وحاربتها من
باب تجفيف المنابع , وقد نجح عبد الحميد بن باديس في إنشاء تيار عريض في الساحة
الجزائرية يتخذ من هويته الثقافية عنوانا له , و إستطاع عبد الحميد بن باديس أن ينسف مقولة الفرنسيين الذين كانوا
يعتبرون الجزائريين فرنسيين حيث كتب قائلا في جريدة الشهاب لسان حال جمعية العلماء
المسلمين الجزائريين :
أيها الشعب الجزائري , أيها الشعب المسلم , أيها الشعب العربي
الأبي حذار من الذين يمنونك و يخدعونك , حذار من الذين يأتونك بوحي من غير نفسك
وضميرك , إستوح الإسلام ثمّ أستوح تارخك و قلبك و أعتمد على نفسك وسلام الله عليك
..
وصعدّ باديس موقفه ضدّ فرنسا فأطلق قولته المشهورة , و الله
لو طلبت مني فرنسا أن أقول لا إله إلا اللّه لما قلتها .
ولد إبن باديس في شهر ديسمبر 1889 وسط أسرة من أكبر الأسر في مدينة
قسنطينة , والتي يمتّد نسبها إلى أسرة المعز الصنهاجي وهي إحدى الأسر التي حكمت
الجزائر , ورغم كونه من أصول أمازيغية إلاّ أنّ إبن باديس كان يفاخر بعروبته
وإسلامه .
أتمّ إبن باديس حفظ
القرآن الكريم وعمره لم يتجاوز الثالثة عشرة ودرس مبادئ العربية و الفقه الإسلامي
عن الشيخ حمدان لونيسي الذي هاجر فيما بعد إلى المدينة المنورّة وتوفيّ فيها .
إنتقل بعد ذلك إلى جامع الزيتونة في تونس حيث درس من سنة 1908 وإلى سنة 1912 , و بعد
رحلة قادته إلى المشرق العربي عاد وإستقر في مدينة قسنطينة حيث بدأ حركته
الإصلاحية والثقافية والفكرية , و إلى جانب إنبرائه للتدريس فقد أسسّ جريدة
المنتقد سنة 1925 , كما أسسّ المطبعة الجزائرية الإسلامية و التي ساهمت في طباعة
المنتوج الفكري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين و باللغة العربية كجريدتي
الشهاب والبصائر .
نجح إبن باديس أن ينسف كل المنطلقات الفكرية والإيديولوجية
التي قامت عليها الحركة الإستعمارية الفرنسية , ففرنسا كانت تؤكّد أنّ الجزائريين
لا يشكلون أمّة , و أكدّ إبن باديس أنّ الأمة الجزائرية موجودة و أنّ طرفي معادلة
شخصيتها العروبة و الإسلامي , ورفع شعارها الذي تبنته الثورة الجزائرية في وقت
لاحق :
الإسلام ديني و العربية لغتي والجزائر وطني .
وقد خاطب الشعب الجزائري قائلا :
أيّها الشعب الجزائري إنّك بعملك العظيم الشريف برهنت على
أنّك شعب متعشّق للحرية هائم بها , تلك الحريّة التي ما فارقت قلوبنا منذ كنّا
الحاملين للوائها وسنعرف في المستقبل كيف نعمل لها , و كيف نحيا لأجلها .
ولم يكن إبن باديس ليكون هذا المفكّر السياسي الإصلاحي العميق
لو أنّه كان منفصلا عن الشعب بعيدا عنه , فإتصّال إبن باديس بالشعب الجزائري
وإستلهامه منه هو الذي يفسّر هذا التوفيق في التعبير عن مطامح الشعب .
فإبن باديس كان يرى أنّه وبعد إستكمال المعركة الثقافية و
الفكرية و معركة الإنتصار للهوية العربية و الإسلامية لابدّ أن يستتبع ذلك بمقاومة
شعبية مسلحة ولعلهّ عبر عن ذلك في قصيدته الخالدة :
شعب الجزائري مسلم
وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله
أو قال مات فقد كذب
إلى أن يصل إلى قوله :
يا نشء أنت
رجاؤنا وبك الصباح قد إقترب
و تشاء الظروف أن يكون هذا النشأ هو مفجّر الثورة الجزائرية
في غرّة نوفمبر 1954 و من هذا النشأ العقيد عميروش الذي كانت تسميه فرنسا و قوات
إحتلالها نمر الجبال و العربي بن المهيدي و أحمد زبانة و كل رعيل الثورة الجزائرية
.
و مثلما مهدّت جمعية العلماء المسلمين الجزائريّة فقد ساهم
الإتحاد الوطني لمسلمي الشمال الإفريقي الذي كان يتزعمه المناضل الجزائري مصالي
الحاج والذي رفض رفضا مطلقا مشروع فرنسا القاضي بإدماج الجزائر في فرنسا .
وعندما حلّت فرنسا
هذا الإتحّاد عاد مصالي الحاج وأسس حزب الشعب الجزائري إلى أن صدر قرار فرنسي
بحلّه سنة 1939 , وبعدها أسس حركة إنتصار الحريات والتي كانت تطالب جهارا نهارا
بضرورة محاربة الإستعمار الفرنسي وطرده من الجزائر .
و كان لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي أسسها رائد الإصلاح
في الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس في سنة 1931 أكبر الأدوار في الجزائر إبّان
الإستعمار الفرنسي , فلقد نجحت هذه الجمعية في تكريس عروبة الجزائر وإسلاميته و
نجحت في الحفاظ على اللغة العربية التي عمد المحتل الفرنسي على وأدها و إستئصالها
من الواقع الجزائر فارضا لغته ومسلكيته الحضارية , و الإستعمار الفرنسي الذي حول
المساجد إلى كنائس وإصطبلات لدى إحتلاله للجزائر سنة 1830 كان يراهن على تدمير
مقومات الشخصية الجزائرية التي صاغها الإسلام على مدى 14 قرنا , و كان إستراتيجيو
الإستعمار أنّ القضاء على الشخصية الجزائرية ذات البعدين العربي والإسلامي سيمهد
لتكريس الإستيطان الفرنسي الذي أريد له أن يقوم على أنقاض الحضارة الإسلامية في
الجزائر , و قد تنبّه الشيخ عبد الحميد بن باديس و رفاقه أنّ الجزائريين لا يمكنهم
أن يثوروا على المستعمر الفرنسي الذي فرض عليهم لغته وثقافته وسياسته و أحاديته
الحضارية بنيران النبالم ما لم يسترجعوا إسلامهم و لغتهم و إعتزازهم بوطنهم و لذلك
كان يرددّ على الدوام الإسلام ديني و العربية لغتي و الجزائر وطني , و في سنة 1939
طلبت منه فرنسا أن يبعث رسالة تأييد لها عند دخولها الحرب ضدّ قوات المحور فقال
قولته المشهورة , و الله لو طلبت مني فرنسا أن أقول لا إله إلاّ الله لما
قلتها , و إستمر إبن باديس على رأس جمعية
العلماء المسلمين حتى وافته المنية سنة 1940 قاد المسيرة بعده رفاقه المخلصون , لم
ينجح إبن باديس في إرجاع الجزائر إلى إسلامها و لغتها الأصيلة فحسب بل ساهم في
تكوين جيل الثورة الجزائرية الذي قال عنه يا نشء أنت رجاؤنا / و بك الصباح قد
إقترب .... وبعد 14 سنة من وفاته إندلعت ثورة التحرير الجزائرية و التي قادها
النشء الذي تتلمذ ودرس في معاهد الشيخ عبد الحميد بن باديس .
و ما زال الجزائريون يحتفلون سنويا بذكرى إبن باديس و الذي
عادت جمعية إلى النشاط مجددا لتحارب هذه المرة مظاهر الغزو الفكري و الثقافي
الوافد مع التأثيرات الفرانكفونية و الإفرازات الأنجلوسكسونية .وكان إبن باديس
يقول - إن كـل محـاولة لحمل الجزائريين على ترك جنسيتهم أو لغتهم أو
دينهم أو تـاريخهم أو شيء من مقومـاتهم هي محـاولـة فـاشلة مقـضـي عليها
بالخيبة...إن الحالة التعيسة التي بلغت إليها الأمة الجزائرية – وقـد اطلعتم عليها
أنتم أكثر من غيركم – لا يمكن أبـدا أن يستمر صبر الأمة الجزائرية عليها أكثر مما
صبرت «.
وعن سؤال لرئيس اللجنة فحواه : ماذا يقع لو أصدرت فرنسا أمرا يعطي
المسلمين حقوقهم ويجردهم من قانون الأسرة، والأحوال الشخصية أجاب ابن باديس بقوله
: »
إذا ألزمت فرنسا المسلمين برفض شريعتهم والتخلي عن ذاتيتهم كأنهم يشعرون بالضربة
القاضية عليهم بالعدم التام... وأنا أحقق لكم أنكم إذا ألزمتم الأمة الجزائرية
المسلمة برفض شريعتها والتخلي عن ذاتيتها فإنكم تكونون قد وضعتم أمرا يؤول
بالجزائر إلى اضطراب أعظم لا تدري عاقبته «، (البصائر 25/02/1356 هـ)، كلمة
اضطراب أعظم لا تدري عاقبته صريح في الثورة المسلحة ولكن لا يؤاخذ عليه
القانون مثل كلمة (الثورة).
و في مقال له تحت عنوان : » هل آن أوان اليأس من فرنسا «
نشر بالشهاب في جمادى الآخرة 1356، جاء قوله :
» لقد أخذ اليأس بتلابيب الكثير
منا، وهو يكاد يعم، ولا نتردد أنه قد آن أوانه ودقت ساعته « ثم قال : » والله لا تسلمنا المماطلة إلى
الضجر الذي يقعدنا عن العمل، وإنما تدفعنا إلى اليأس الذي يدفعنا إلى المغامرة
والتضحية « اهـ. ما هي المغامرة المصحوبة بالتضحية أليست الثورة المسلحة التي
تحقق الاستقلال ؟ إن الثورة لا تكون إلا بالتضحية الغالية بالأنفس والأموال،
والمغامرة يقدم على مغامرته دون أن يحسب حسابا لربحه أو خسارته ويوازن بينهما.
و في شهر سبتمبر 1937 م، أصدر بيانا
ونداء إلى الشعب الجزائري وإلى النواب المنتخبين حرم فيه طرق أبواب البرلمان
الفرنسي، ودعا إلى اتحاد الصفوف، وتكوين جبهة لا تكون المفاهمة إلا معها وجاء فيه
:
» أيتها الأمة الكريمة، أيها
النواب الكرام : اليوم وقد يئسنا من غيرنا يجب أن نثق بأنفسنا، اليوم – وقد تجوهلت
قيمتنا يجب أن نعرف نحن قيمتنا – اليوم وقد خرست الأفواه عن إجابة مطالبنا، يجب أن
نقول نحن كلمتنا، اليوم وقد اتحد ماضي الاستعمار وحاضره علينا، يجب أن تتحد
صفوفنا... حرام على عزتنا القومية وشرفنا الإسلامي أن نبقَى نترامى على أبواب
برلمان أمة ترى – أو ترى أكثريتها – ذلك كثيرًا علينا... ويسمعنا كثير منها في
شخصيتها الإسلامية ما يمس كرامتنا ويجرح أعز شيء لدينا، لندع الأمة الفرنسية ترى
رأيها في برلمانها، ولنتمسك عن إيمان وأمل بشخصيتنا... قرروا عدم التعاون في
النيابة بجميع أنواعها كونّوا جبهة متحدة لا تكون المفاهمة إلا معها، بَرْهنُوا
للعالم أنكم أمةٌ تستحق الحياة...«.
هذا نداء يدعو إلى العصيان المدني
بعدم التعاون مع المحتل والعصيان المدني بداية الثورة المسلحة، وفيه فتوى شرعية
قومية بحرمة الذهاب إلى برلمان فرنسا، لأن قبول النيابة فيه اعتراف بأن الجزائر
عمالات فرنسية وأنها جزء من تراب فرنسا، وفيه دعوة صريحة إلى تكوين (الجبهة)
الواحدة التي لا يكون أي تفاهم إلا معها، وهذا ما فعلته الجزائر أثناء الثورة، فهي
التي أعلنت الجهاد، وحرمت على أي أحد أو أية هيئة التحرك إلا في ضمنها، والتكلم
معها باسم الأمة وحصلت على استقلال الجزائر.
و يفتخر الذين أطلقوا الثورة الجزائرية و الذين كانوا من صناع
الثورة الجزائرية الذين بأنهم درسوا أو حضروا دورس الشيخ عبد الحمبد بن باديس وهم
لا حصر لهم كما يقول عبد الرحمان الجيلالي وأبو القاسم سعد الله وتوفيق المدني و
غيرهم من مؤرخي الجزائر ومن هؤلاء الثوّار :
في ولاية قسنطينة – الشرق الجزائري - كشود محمد و بوكعباش سليمان أو عبد الحميد و بوالطمين الأخضر
و نجار عل و معوش الطاهر ومرابط صالح و مجدوب الخوجة . و في ولاية سكيكدة : بوسنان بومنجل
و بين أينال أحسن و ثابت عبد الحميد بوقادوم حسين و معطى الله مبار و قاص
عمر وشليغم عبد المجيد و بوختالة محمد
(شهيد) و كنيو عمار بوفامة أحمد و
رايس محمد (القل) محافظ ومتقاعد و عبادة
مصطفى (مدير التلفزة مغتال) و مطاطلة أحمد
(القل) دكتور و خبابة محمد برج الغدير .
ومن ولاية المسيلة بوديلمي رابح
(لمطارفة) شهي قنفود الحملاوي (سلمان) و
بورزقاين العابدين (بمعاضيد) و حامد محمد
(أولاد ماضي) . ومن ولاية برج بوعريريج بن
السعيد حفناوي (برج الغدير متوفى رحمه الله)
و من ولاية بسكرة محمد الصادق
دبابش ومن سيدي عقبة أبو بكر مسعودي (ضابط أول عضو منطقة) و محمد الطاهر مسعودي و أحمد شاذلي (شهيد) وعبد الحميد حوحو و
الطاهر قدوي (شهيد ملازم أول) و السعيد
فيراس (شهيد) و العربي برباري (شهيد) و
محمد دغنوش (شهيد) و حسين غانم (شهيد) و الوردي الواعر (شهيد) . و مئات الشهداء و المجاهدين الذين ساهموا في
إطلاق الثورة الجزائرية و كانوا منتشرين في كل الولايات الجزائرية , وفي موضوع
الثورة المسلحة و اللجوء إلى الجهاد لإخراج المستعمر الفرنسي فقد روى بعض الأحياء من تلاميذه في هذا
الموضوع ما أكده الشيخ محمد الصالح رمضان، أن الشيخ ابن باديس كان منذ 1356 هـ
(1937 م) يصرح بعزمه على الثورة المسلحة، وفي بعض هذه التصريحات أنه يخشى أن يدفع
الأمة إليها قبل كمال استعداد، لهذا يتجنب أن يتحمل مسؤولية الرئاسة السياسية
المباشرة لبعض الأحزاب. وقد أكد الشيخ محمد الحاج بجة أحد تلاميذه الأقدمين – من
دائرة آقبو – أنه كان تلميذا في أوائل الثلاثينات، وأن الشيخ رحمه الله كان يسأل
تلاميذه الكبار : هل أديتم الخدمة العسكرية ؟ ومن أجاب بنعم ميزهم عن الآخرين وصرح
لهم أننا سنحتاجكم يوما ما، وحثهم على عدم نسيان ما دربوا عليه من أعمال الحرب،
ولعل هذه الشهادة تفسر شدة اتصاله رحمه الله بتلميذه الشيخ الفضيل الورتلاني رحمه
الله، فقد كان من الذين أدوا الخدمة العسكرية قبل أن يتصل به فكان يقربه جدا،
ويستصحبه معه في بعض رحلاته ويركن إليه في تربية صغار تلاميذه على الثورة، وقد عاش
هذا الرجل ثائرا وصار يخشى جانبه الملوك والأمراء في الشرق العربي، وله أثر كبير
في الثورة اليمنية ضد نظام الملك يحيى، وهذا معلوم، حتى جاءت الثورة الجزائرية
فعمل في صفوفها ومات – وهو يمثلها – بتركيا، وله تلاميذ هناك يذكرونه بخير، وهو
دفين أنقرة.ومن ذلك ما سمعته بأذني وحضرته بنفسي في إحدى أمسيات خريف 1939 م في
مجلس بمدرسة التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة، وتطرق الحديث إلى موضوع الحالة
السياسية بالجزائر بعد إعلان الحرب، وموقف بعض كبار رجال الأحزاب السياسية الذين
جندوا –إجباريا أو تطوعا– في صفوف الجيش الفرنسي، وكان الشيخ رحمه الله متألما جدا
من هذا الضعف فيهم، وقد صرح بما فحواه : » لو أنهم استشاروني واستمعوا إلي وعملوا بقولي لأشرت عليهم بصعودنا
جميعا إلى جبال أوراس، وإعلان الثورة المسلحة «.
سافرت إلى تونس لإتمام الدراسة ولم أحضر تطور
هذه الفكرة الباديسية في نفسه، ولكني علمت أنها وصلت إلى حد الإنجاز لو لا معاجلة
الموت، فقد حدّث الأستاذ حمزة بوكوشة – وهو من أقرب المقربين إلى الشيخ عبد الحميد
والعاملين معه في ميادين العلم والإصلاح والسياسة – إنه دعاه ذات يوم للمبايعة على
إعلان الثورة المسلحة، وحدد له تاريخ إعلانه بدخول إيطاليا الحرب بجانب ألمانيا ضد
فرنسا، مما يحقق هزيمتها السريعة، فبايعتُه على ذلك، وكان بالمجلس غير الأستاذ
حمزة منهم من تردد ومنهم من أقدم على المبايعة. وقد أكد الشيخ محمد بن الصادق
جلولي هذه الرواية ودعمها. ولكن المنية أدركت ابن باديس قبل موعد إعلان الثورة
ببضعة وخمسين يوما، فقد مات في 16 أفريل 1940 م، ودخلت إيطاليا الحرب في 10 يونيو
1940 م. ولعل الحكمة قي تحديد هذا التاريخ لابتداء الثورة أن إيطاليا صرحت
بأطماعها اللاشرعية في تونس، ولعلها تمددها إلى الجزائر، فإذا دخلت بجانب ألمانيا
وانتصرتا صرنا (ميراثا) من تركة الهالك! فأراد الشيخ أن نكون في الوجود وأن نطرد
فرنسا بأنفسنا، ودخول إيطاليا في الحرب يسهل مهمتنا، وأتذكر جيدا أنني صارحته ذات
يوم بالخوف – إن انتصر المحور – من
استيلاء إيطاليا على بلادنا باعتبار أننا تراث من فرنسا، فأجابني فورا رافعا رأسه
: »
ليست إيطـاليا التي تستطيع استعمـارنـا يا بني « قالها في اعتزاز وثقة، وقوة نبرة توحي بالتحدي..
وكان لعبد الحميد بن باديس دور مزدوج
في صيانة الشخصية الجزائرية و مقوماتها الثقافية ذات البعدين العربي و الإسلامي و
صيانة الجغرافيا الجزائرية و الوحدة التربية بوضعه خارطة طريق للجهاد من أجل تطهير
أرض الجزائر من رجس المستعمر الكافر كما كان يسميه , و هو الذي غرس في نفوس
الثوّار و المجاهدين ثلاثيته
المشهورة
الإسلام ديننا
و الجزائر وطننا
والعربية لغتنا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق