من قلم صائب مراد
عندما ارتفعت الاصوات في بلدنا الاردن مطالبة بشن حملة شعواء ضد الرفاعي
وحكومته ، وسعت الى اسقاطه بدون هوادة ، فان هذا الاصوات حين تصدر بهذا
الاصرار ، تصدر في العادة دون دراية او معرفة ، فالافتراض السائد بان رئيس
الحكومة هو الذي يحكم ويرسم سياسات الدولة بما يخدم مصالح مواطنيه ، افتراض
لا يتورط في قبوله سوى رجل امي ، او على الاقل شبه امي دون ان يدري ، لان
لقب رئيس الحكومة من جهة ليس سوى كلمة خادعة يختبىء وراءها الملك ، ولا
يمثل صاحبها في الواقع شيئا على الاطلاق ، ولان رئيس الحكومة من جهة اخرى
لا علاقة له بالحكم وصنع القرار اوالسياسة الخارجية .
فالمشكلة برمتها لا تخص الحكومة ورئيس الحكومة بل تخص الملك شخصيا ،
ونحن نرتكب خطأ لا يمكن غفرانه عندما نفرق بين الملك ورئيس الحكومة ، ونكون
قد وقعنا فريسة الخداع وخطاباب التكليف السامي الرنانة والطنانه الموجهة
الى رئيس الحكومة ، والمصاغة بعناية على مقاس المواطن المخدوع ، الى حد
دعانا ان نصدق بان ظل الجبل هو الجبل نفسه ، وقادنا ذلك الى عادة تسلق
الظلال جيلا بعد جيل ، انها عادة غير حكيمة غرستها فينا خطابات التكليف
الملكية ، وصارت بديلا عن نعمة الصعود الحقيقي ، وفي خضم هذا الوهم والخداع
مرة تلو مرة ، يعلن الملك ومرة اخرى فشل الحكومه في ترجمة خطاب التكليف
السامي الى واقع ملموس يعود بالرفاهية على حياة المواطن وقوته وقوت عياله ،
ويضطر بداعي الحرص على المواطن الى اقالة الحكومة بعد ان يكون قد حمّلها
اوزار تردي حياة المواطن ، فتغادر خشبة المسرح وتتلاشى بهدوء .
مشاكلنا وتردي اوضاعنا هي في الحقيقة ليست مسؤولية الحكومة بقدر ما هي
مسؤولية الملك وحده ، فهو رئيس الحكومة الفعلي وهو من يقرر ، فحين قرر
زيادة الرواتب اعلن الرفاعي زيادة الرواتب ، وحين قرر تثبيت سعر المحروقات
اعلن الرفاعي تثبيت سعر المحروقات ، وقس على هذا جميع القرارات التي تخص
مناحي الحياة السياسية والاقتصادية برمتها ، فالملك هو الذي يجلس على رأس
السلطة التنفيذية وليس رئيس الحكومة ، وبسببه هو تغولت السلطة التنفيذية
وطغت على غيرها من السلطات التشريعية والقضائية ، شأنه في هذا شأن الهارب
بن علي والمترنح ساقطا حسني مبارك ، وشأن اي دكتاتور اخر ، فالملك كدكتاتور
هو الذي افسد الحياة والسياسية والتشريعية والقضائية ، جميعها ومرة واحدة ،
وبه ومعه تغولت الاجهزة الامنية على حق المواطن وانسانيته وكرامته ،
وحولته الى مواطن اخرس تحاصره بقانون عقوبات يحصي عليه انفاسة ، ويمنعه من
حقه في الاعتراض او التعبير دون ان يتعرض للسجن والملاحقة في قوته ومستقبله
، وزوّرت الانتخابات النيابية وارادة المواطن في اختيار ممثليه مرار
ونهارا جهارا .
ان ما يقرأه المواطن في الصحف ويسمعه في وسائل الاعلام من تحميل الحكومة
مسؤولية تردي حياة المواطن ، ليس سوى خداع سياسي وسيناريو متفق عليه ومعد
سلفا ، ولعبة اعلامية خادعة ، ليس من ورائها طائل سوى تبرئة الملك من هذا
التردي الخطير الذي اصاب شريحة واسعة من المواطنين في طول البلاد وعرضها ،
وبالتالي رسم صورة نرجسية للملك بعيدة كل البعد عن واقعه الحقيقي ،
يتناقلها المواطن المخدوع سواءا بالقراءة او بالسماع ، فتصبح المشكلة حينها
حكومة الملك وليس الملك نفسه .
انها لا زالت تلك اللعبة القديمة من الخداع المفجع ، والوهم الذي
توارثناه جيل بعد جيل ببلاهة تدعو الى الدهشة .
فبين نهاية عصر الملك حسين ودخول عصر خلفه عبدالله الى يومنا هذا ، كان
رئيس الحكومة دائما هو الملك نفسه ، وكان الاردن تحت ادارته قد بيع
بالقطاعي ، وكان المجتمع الاردني يشهد ظهور طبقة طارئة من رجال الاعمال
الذين انضموا الى الاسرة الحاكمة في حلف مميت ، مسخّر لخدمة مشاريع الخصخصة
مقابل عمولات وصفقات مشبوهة وغير مشروعة ، وخلال عشر سنوات من هذا
الاستنزاف وهو على رأس الادارة ، وصل الاردن الى خسارة كل امل ممكن في
النهوض والتنمية الذاتية ، واصبح شعبه يواجه تجربة جوع وحرمان من اسوأ
التجارب التي مرت في تاريخه ، في الوقت الذي تكفل فيه فساد وصفقات الملك
وحاشيته من رجال الاعمال ، ان يصل بهم الى اعلى مستويات الثراء الفاحش ،
ويصبح في ظل هذه الظروف الطارئة مدخرات ستة ملايين مواطن اردني تقل عن
مدخرات فاسد واحد ، وتحت ظروف من هذا النوع يصبح من متطلبات الادارة
الناجحة للملك ان يذهب 80 % من الناتج الاجمالي للمواطن الاردني الى جيوب
قلة من الفاسدين يجلسون مسترخين بجانب مدافئهم ، دون ان يلاحظ احد ما ، ثمة
ما يدعوا الى بعض الملاحظة .
هذا التغول الملكي والتفرد في صناعة القرار وتقرير مصير المواطن ومصير
عياله ، يحدث تحت حماية الدستور الاردني وبنص المادة 26 من الفصل الثالث
والمادة 30 و 34 و35 من الفصل الرابع ، الذي وصل بالبلاد الى هذه الحالة
المزرية ، واصبح معه من الضروري الان وفورا وقف هذه المهزلة وتعديل الدستور
، وسحب هذه الصلاحيات من الملك بعد كل هذه السنين من الفشل الخداع والخراب
والانحدار المستمر وافقار المواطن ، وتعريض مستقبله ومستقبل عياله الى خطر
كبير ، لقد فشل الملك على رأس الادارة من وقف التدهور الخطير الذي ضرب قوت
المواطنين وحريتهم على مختلف اصولهم ومنابتهم ، وعليه ان يفسح المجال
للشعب ان يقول كلمته من خلال صناديق الاقتراع ويختار رأس السلطة التنفيذية
والحكومة المنتخبة الشرعية التي تعبر عن الشعب وتعمل لمصلحة المواطن ،
وليس لمصالح واجندات اقليمية على حساب مواطن ليس له فيها ناقة ولا جمل .
على الاغلبية الصامتة والجائعة والمهمشة والمحرومة النزول الى الشارع
وقيادة مظاهرات غضب لا هوادة فيها ولا مساومة حتى يرضخ النظام الفاسد ورأس
ادارتة الى مطالب الشعب وحقهم في الحرية والخبز والحياة الكريمة ، فامامكم
يوم الجمعة ، والجمعة هو هدية السماء الذي يجمعكم فيه في وقت واحد دوريا كل
اسبوع، ودون سابق موعد ، ودون حاجة الى المناشير السرية ، فالوقت معلوم
سلفا والمكان معلوم سلفا ، واعلان السماء قد صدر ان لا موت لاحد ، فكلكم
احياء ، احياءعند ربكم فرحين ترزقون او احياء فوق ارضكم بالحرية والكرامة
تنعمون ، ولن يموت احد ، وهي دعوة ان تقولوا كلمتكم الحسم في يوم جمعتكم ،
ولتكن جمعة غضب حقيقية ، وجهتها قصر رغدان ، حتى يسمع سيد رغدان ان اقالة
حكومة وتشكيل حكومة اخرى ، عمل ليس لها علاقة في الواقع باي اصلاح ، وانه
مجرد خطة مدبرة لخداعكم وجعلكم اضحوكة في افواه الاحرار التونسيين
والمصريين ، ووصمكم بالبدائية والتاخر عن ركب الاحرار ، وتبديد امكانياتكم
بعيدا عن الهدف الحقيقي ، وهاهم احرار تونس ومصر قد خاضوا معارك شوراع
ضارية ضد فراعينهم ، وقاتلوا وقتلوا بصدورهم العارية من اجل نفس المبادىء
التي تقاتلوا انتم من اجلها ، واستطاعوا ان يظفروا برضا كل الشعوب وكل
الثقافات وامريكا واسرائيل ، لانهم اقنعوا العالم ان دولة فرعون تونس ،
ودولة فرعون مصر ، دول ضد الانسان نفسه ، وانه ليس ثمة خيار امامهم سوى ان
يقاتلوهما بصدورهم واظافرهم في الشوارع والميادين ، حتى سحقهما بعنادهم
البطولي .
ان الفرق بين فراعنة تونس ومصر والاردن فرق ضنيل للغاية ، العالم كله
يعرف ذلك وامريكا واسرائيل ايضا .
انها معركة يقف فيها الله الى جانبكم ، وليس ثمة شك انكم لن تخسروا على
الاطلاق ، ما دامت الرؤية واضحة امامكم ، وما دام الجانب الاخر لا يملك سوى
قطعان الدرك والمخبرين السريين البلهاء ، ومن خلفهم كتاب الصحف الحكومية
الذين يكتبون مقالاتهم اليومية جائيين على ركبهم ، ان الله لن يتخلى عنكم ،
انتم تعرفون ذلك ، وتعرفون انه ترك فراعنة مصر وتونس يندحرون امام شعوبهم
وامام انفسهم دون ان يمدهم بشيئ من عنده سوى الخزي والعار ولعنات الاحرار .
فيا اخوتي ليس هناك ثمة شيء في العالم اغلى من الحرية والكرامة والانسان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق