أبرز ما في الصحف المصرية الصادرة امس، كان اخبار الحجاج
وأسعار اللحوم والأضاحي، وقيام الإخوان والسلفيين بإنشاء شوادر لبيعها
بأسعار مخفضة، وأما المفاجأة في حكاية الخراف، فكانت ما أخبرنا به امس في
'التحرير' زميلنا الرسام ايهاب هندي، إذ ادعى انه أثناء ذهابه لشراء خروف
العيد، شاهد اثنين ينصح أحدهما الآخر للإفلات من الذبح بقوله: - قولهم بس،
ان انت خروف النهضة وما حدش هيقدر يلمس شعرة منك.. أما كيف فهم ايهاب كلام
الخرفان، فلأنه هندي.
ونشرت الصحف كلمة الرئيس مرسي أمام مؤتمر الدعاة، ومحادثاته مع أمير قطر، واجتماعه مع عدد من ممثلي الأحزاب والقوى السياسية، بينما رفضت الأحزاب المعارضة الرئيسية قبول الدعوة ونشرت الصحف حضور وزير الدفاع الفريق اول عبدالفتاح السيسي، المناورة العسكرية، بينما واصلت صحيفة الإخوان 'الحرية والعدالة'، موقفها في تجاهل أي أخبار عن الوزير حتى يظل اسمه مجهولا لدى قيادات وضباط وجنود الجيش.
وتم الإعلان عن وصول بعثة صندوق النقد الدولي الى مصر بعد انتهاء اجازة العيد، لمناقشة خطة الحكومة التي وضعتها وعلى رأسها سيوافق البنك على منحها القرض الذي تطلبه وقدره أربعة آلاف مليون وثمانمائة مليون دولار، وهو ما تتهرب الحكومة وحزب الإخوان من إعلانه للناس حتى الآن.
وبالمناسبة فان هناك علاقة بين تحديد قيمة القرض المطلوب وبين حصة مصر في الصندوق، وهي تبلغ ألفا وستمائة مليون دولار، ويحق لأي دولة أن تطلب قرضا بما يوازي حصتها مرتين، ولهذا فان الحكومة السابقة التي ترأسها الدكتور كمال الجنزوري كانت قد طلبت قرضا قدره ثلاثة آلاف ومائتي مليون دولار، وهو ما رفضه الإخوان باعتباره ربا والعياذ بالله - ثم طلبوا زيادته إلى أربعة آلاف وثمانمائة مليون دولار، استنادا الى نص يبيح للدولة العضو طلب قرض يوازي ثلاثة أضعاف حصتها إذا اقتنع الصندوق بقدرتها على الوفاء به.
ايضا وافقت وزارة الداخلية على إقامة مباراة فريق النادي الأهلي مع الترجي التونسي في استاد مدينة برج العرب بحضور جمهور سيتم تحديده، كما هاجمت قوات الأمن إحدى الشقق في الحي العاشر بمدينة نصر بالقاهرة كان يختبىء فيها تاجر أسلحة كما نشرت الصحف، وإرهابي في صحف أخرى ومقتله بعد اشتباك مع الشركة وانفجار احدى القنابل، وتأييد محكمة الجنايات حكم محكمة الاستئناف الإفراج عن رئيس مجلس الشعب الاسبق خفيف الظل الدكتور أحمد فتحي سرور.
وإلى بعض مما عندنا، وكل عام ونحن بخير مسلمين ومسيحيين عرب.
الإخوان والعروبة وتمزيق
مصر ودول المشرق والخليج
يلحظ القارىء منذ مدة، انني بدأت أفرد مساحة كبيرة نوعا ما، إلى وقائع تاريخية أراها أكثر من ضرورية، الآن وفي المرحلة القادمة، لأن معرفتها الحقيقية أحد أسلحة الصراع السياسي الذي سوف يتصاعد بعد نجاح الإخوان المسلمين والسلفيين في الوصول إلى الحكم في عدد من الدول العربية، مثل مصر وتونس والمغرب وليبيا، وهم يقومون، أما عن عمد، أو جهل بتزوير في وقائع التاريخ التي لا يعلمها شبابنا في العالم العربي، لأنه لم يعايشها أو يقرأها عنها، لدفعة لاتخاذ المواقف السياسية التي تعتنقها هذه القوى وتسعى لتحقيقها، في إطار مشروعها لبناء خلافة إسلامية كما تتوهمه، لضرب الدعوة للوحدة العربية، وتصوير دعاة الوحدة القائمة على الرابطة القومية التي تجمع المسلم والمسيحي العربي، وكأنهم ضد الإسلام، ويعملون على إثارة الكراهية لا بين المسلمين والمسيحيين فقط، ولكن بين المسلمين السنة والشيعة العرب، وهم بذلك، لا يهددون دعوة الوحدة العربية فقط، وإنما يهددون بتقسيم الدول العربية القائمة على أساس وطني، فهي دعوة للشيعة العرب في العراق ولبنان والعلويين في سورية والشيعة في البحرين وفي سلطنة عُمان وفي المنطقة الشرقية من السعودية وفي الكويت، والإمارات، بالانفصال وطلب الوحدة مع إيران ما دام المذهب سيكون بديل الوطنية والعروبة على أيدي الإخوان والسلفيين، وسيطلب المسيحيون في مصر ولبنان الانفصال ايضا، وهذا هو المشروع الحقيقي لهذه التيارات والأحزاب الدينية، أي تمزيق مصر ودول المشرق والخليج، والمستفيد إسرائيل وإيران.
معاداة الشيعة تحت غطاء الدفاع عن الاسلام
ولذلك لابد من الانتباه الى خطورة الحملات التي يشنونها ضد القومية العربية ودعاتها وضد أشقائنا الشيعة، تحت غطاء الدفاع عن الإسلام والدعوة للخلافة وقد اندهشت من قيام أحد عناصر الإخوان المستنيرة والذي خرج من الجماعة مع غيره لأنهم من الجناح المعتدل فيها وهو صاحبنا مصطفى كمشيش من تطرفه ضد الشيعة بقوله في 'المصريون' يوم السبت قبل الماضي: 'تداعت العلاقات المصرية - الإيرنية بعد قيام ثورة الخوميني وكان النظام في مصر 'السادات ثم مبارك' في حالة توجس مستمر من فكرة تصدير الثورة الإيرانية لمصر وقد استضاف السادات الشاه في مصر بعد أوصدت في وجهه كل دول العالم وساندت مصر العراق في حربها ضد إيران 'دون أي اكتراث بالعلاقات المقطوعة مع العراق الذي تصدر ما سمي جبهة الصمود والتصدي ضد مصر بعد أن أبرمت معاهدة السلام مع الصهاينة'، وحين نظرت إيران إلى مصر بعد ثورة 25 يناير وخاصة عند مشهد الاستحقاق الرئاسي فوجدت قائمة من المرشحين يعبرون عن تنوع سياسي واضح، فلم يكن لإيران أن تفضل أو تدعم أو تهوى رئيساً ينتسب للنظام السابق 'بعد كل ما جرى في نهر العلاقات' ولم يكن لها أن ترغب في رئيس 'إسلامي' لأنه سيكون سنياً ويمكن أن يقف حجر عثرة أمام المشروع التوسعي الشيعي في المنطقة فكان طبيعيا أن تكون ميول إيران في مصر ناصرية، وهذه الميول ليست جديدة لكنها مستقرة في السياسة الإيرانية منذ أيام الخوميني ذكر 'فتحي الديب' في كتابه 'عبدالناصر وثورة إيران'، الناشر وكالة الأهرام 'كانت ثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبدالناصر ومنذ بداية الاعداد لثورة إيران على اتصال بقادة الثورة الإيرانية تمدهم بالدعم والتأييد في كل المجالات الإعلامية والنضالية انطلاقا من إيمان عبدالناصر بحق الشعوب في الحياة الحرة وحقها المشروع في فرض إرادتها على أرضها والاستمتاع بثرواتها لصالح رفع مستوى معيشة جماهيرها بلا منازع - وإن كان الإمام الخوميني قد أشار إلى هذه العلاقة الوطيدة بجمال عبدالناصر وثورة 23 يوليو في الأيام الأولى لاندلاع الثورة، إن أخطر ما أصاب مصر بعد قيام ثورة 25 يناير 'التي قامت بالأساس ضد نظام العسكر الذي دشنه جمال عبدالناصر' هو حالة الفوضى وما اتبعها من دخول أموال كثيرة من دول عدة بغرض الدعم السياسي لأطراف بعينها لتحقيق مصالح الداعمين وما قضية التمويل لبعض منظمات المجتمع المدني ببعيدة، وقد تم تهريب الأمريكان لتفادي فتح هذا الملف، إن المال الإيراني 'كغيره' لا يمكن أن يغيب عن المشهد المصري ولا يمكن تجاهل 'الهوى الناصري الإيراني' كما لا يمكن التغافل عن سعي طهران الحثيث على إزالة العقبات التي تحول دون نشر المذهب الشيعي في البلاد العربية وخاصة مصر'.
اتهام عبد الناصر
وصباحي بالعمالة لايران
هذا ما كتبه مصطفى كمشيش، وقد أحسست بأسف شديد لهذا التحول المفاجىء الذي أبعده تماما عن القدر الذي تمتع به من الأمانة التاريخية والموضوعية، وتغلبت عليه نوازع الأحقاد والأكاذيب التي يزرعها الإخوان في عقول أعضائهم ضد ثورة يوليو وخالد الذكر، اعتمادا على انهم لا يقرأون إلا لما يكتبه كتبة الجماعة، وتعمي أبصارهم حكاية البيعة والاعتقاد بأنهم ملائكة وسط كفار، وهي الحالة التي يفلت منها كل من يطلع ويفهم ويقارن وله ضمير يقظ، وهو ما اثبتته مصطفى في كثير من مقالاته.
ولهذا فوجئت بأنه يريد منافسة قادة الإخوان الذين يهاجمهم لعلهم يلقون إليه نظرة، فابتسامة فسلام فدعوة للعودة ثم يكون من الشاكرين، ذلك ان أياً منهم لم يتجرأ حتى الآن.
واتهام زميلنا وصديقنا حمدين صباحي بالعمالة لإيران وتلقي الأموال منها، ولأن الناصريين هم الذين سوف ينشرون المذهب الشيعي في مصر ويحاربون المذهب السني، 'الذي يعتنقه الرئيس مرسي، فأكثر الإخوان كراهية لحمدين والذين رأوا فيه المنافس الأشد خطرا لم يقولوا بهذا أبدا.
ولكن ما يعنينا هنا هو محاولته استخدام لوقائع التاريخية بشكل خاطىء ليخرج باستنتاجات سياسية تثير العجب، ذلك أن الدعم الذي قدمه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ييه، آسف، قصدي خالد الذكر، للحركات الثورية المناوئة لشاه إيران محمد رضا بهلوي، وللإمام الخوميني معروفة، ولقاء الخوميني عندما كان في العاصمة الفرنسية باريس اثناء الثورة وقبل ان يصل الى ايران بعد خروج الشاه منها، لقاؤه مع استاذنا الكبير محمد حسنين هيكل كأول صحفي يقابله معلنة ثم زياراته لإيران بعد عودة الخوميني وكتابه - مدافع آية الله - وغيره من المقالات والأحاديث ومكانته المتميزة لدى الإيرانيين معروفة، ومقاومة خالد الذكر لشاه إيران كانت لأنه يعمل لحساب أمريكا في بناء شبكة الأحلاف العسكرية مع تركيا وباكستان، وأطماعه في دول الخليج، إذ كان يعتبر البحرين جزءا من إيران ويخصص لها مقعدا في مجلس النواب ويطالب بريطانيا بردها إليه عند جلاء قواتها عنها عام 1971.
وهو ما انتهى إليه الأمر بالاتفاق على إجراء استفتاء شعبي يختار فيه البحرينيون، أن يكونوا دولة عربية مستقلة أو جزءاً من إيران، فاختاروا بأغلبية كاسحة ساحقة، عروبتهم والاستقلال والانضمام للجامعة العربية، وكان على رأس من اختاروا عروبتهم قبل مذهبهم الديني، هم الشيعة.
وعندما قامت الثورة الإيرانية لقيت تأييداً كاسحا من الشعوب والقوى السياسية العربية، لأنها سوف تسقط عميلاً لأمريكا وصديقنا مخلصاً لإسرائيل، وكان على رأس المؤيدين الإخوان المسلمون، ومرشدهم الثالث المرحوم عمر التلمساني، وهو ما دفع السادات الى مهاجمته في خطبة علنية عندما قال:
- الله، ده عايز يبقى خوميني مصر.
الخلافة الإسلامية العثمانية السنية
وبعد نجاح الثورة الإيرانية بدأ التحول المضاد، عندما أكدوا انهم سوف يصدرونها أولا للدول العربية، ودعوا إلى وحدة إسلامية، ثم أخذوا يهاجمون العروبة والقومية العربية مستخدمين نفس العبارات التي يستخدمها الإخوان المسلمون الآن، بل واعتبروها مؤامرة لتفكيك الخلافة الإسلامية العثمانية السنية أي أنهم في وحدة مع الإخوان، وهو ما ظهر من خلال البحوث المقدمة في المؤتمر العالمي الأول للفكر الإسلامي الذي عقد في طهران عام 1983 في الذكرى الرابعة لانتصار الثورة، ثم توالت الهجمات ضد البعثية والناصرية، وأصدر المركز اإسلامي للأبحاث السياسية في مدينة قم كتابا عنوانه - حركة القومية العربية دراسة موضوعية في ميلادها ووسائل انتشارها، للباحث العراقي ضياء الدين أحمد، كتب مقدمته الثانية حجة الإسلام والمسلمين محمد مهدي الآصفي - كما تم التعريف به، دافع فيه عن دولة الخلافة العثمانية السنية قال فيها بالنص: 'من خلال التأمل والمطالعة في مسار الأحداث السياسية لهذه الفترة التي بذلها الغرب لإسقاط الدولة العثمانية والحيلولة دون قيام دولة إسلامية بعدها في المنطقة، نصل إلى نتيجة واضحة في هذا الأمر، وتلك، ان الغرب جعل من القومية أداة لاسقاط دولة الخلافة العثمانية، كما اتخذ الغرب من القومية أداة لتجزئة العالم الإسلامي الى دول وأنظمة متعددة وولاءات مختلفة وإقامة سياج من القومية بين أطراف وأجزاء العالم الإسلامي وفصل هذه الأجزاء عن بعضها وعزلها عن الأجزاء الأخرى عن طريق هذا السياج العازل'.
الصراع التاريخي المسلح
بين الدولتين العثمانية والصفوية
والملاحظ هنا، انه بينما اهتم بالهجوم على القومية فانه تناسى تماما الصراع التاريخي المسلح بين الدولة العثمانية السنية، والدولة الشيعية الصفوية في إيران.
وعلينا ملاحظة هذا القدر من العداء للعروبة والوحدة العربية الذي يجمع بين القوى الدينية الإسلامية، سنية وشيعية وبين إسرائيل وغيرها من القوى الأمريكية والأوروبية وبين أعداء العروبة من دعاة الدولة الوطنية، على الرغم من العداء المميت في ما بينهم ورغم دعوات العداء نحو الشيعة التي يتزعمها من مدة الشيخ يوسف القرضاوي والإخوان المسلمون لدرجة أن الرئيس محمد مرسي في أول زيارة له للسعودية عرض على ملكها عبدالله بن عبدالعزيز تكوين تحالف مصري سعودي سني، وهو ما رفضه، ثم دعا الملك فيما بعد الى حوار اصحاب المذاهب الإسلامية، وتشارك في الحملة ايضا كل الجماعات الدينية والسلفية وفريق من الذين يدعون أنهم ليبراليون وعلمانيون، وهذا التحالف الواسع ضد عروبة المنطقة والدعوة الى وحدتها يكشف لنا عن الخطر الذي يهددنا من جانب الذين يستخدمون الدين ضد العروبة ليخدموا في النهاية إسرائيل، سواء كانوا سنة أو شيعة، فهم في النهاية حلفاء ضد وحدة أمتنا.
وعلى كل حال فإذا كانت إيران تساعد أحدا في مصر فسيكون الإخوان المسلمين، عن طريق حماس، لأنها تقدم مساعدة مالية سنوية معلنة لحماس، وتعترف حماس بها، وحماس إخوان، ولها علاقة تبعية بالإخوان في مصر، ويمكن أن تسرب إليهم إيران المساعدة عن طريقها، لا إلى حمدين صباحي والناصريين، والرئيس مرسي وليس أحدا من الناصريين هو الذي دعا لإنشاء تجمع من إيران ومصر وتركيا والسعودية لحل الأزمة السورية، وقاطعت السعودية السنية اجتماعاتها.
وفي النهاية لن امل من التحذير من خطورة هذه القوى والأحزاب التي تستخدم الإسلام أو الوطنية الضيقة لمحاربة العروبة والدعوة للوحدة العربية، وإثارة الكراهية والحرب بين المسلمين العرب السنة والشيعة، فهم في النهاية ستجدهم مربطون بإسرائيل، والأيام بيننا عندما نتكشف حقيقتهم.
وستكون فضيحتهم بجلاجل وصاجات وطبول ومزامير ونحن نغني في تجريسهم، بلاد العرب أوطاني، من تطوان الى بغادان، أي بغداد، كما قال الشاعر حتى يضبط بيت الشعر.
لمصلحة من يُصور
الشيعة بأم الشرور؟
ومن عجب ان يتسبب كمشيش في تشجيع صاحبنا هاشم بكري أن يكتب مقالا يوم الأربعاء في نفس الجريدة عنوانه - حقيقة الشيعة - بدأه بالقول: 'الفرق الهدامة الضالة المضلة وعلى رأسها الشيعة وابنها المدلل حزب الله، تمثل خطرا على أمن مصر بعدما اضرت الكثيرين، الشيعة أم الشرور، نظرا لأنها فرقة تقيم شعائر الدين الظاهرة وتبطن كل ما يخالف الدين، وهي الفرقة الأكثر انتشارا والأكثر تأثيرا والأكثر عددا في بعض المناطق والأخطر على الأمة من الصهاينة هي وأذنابها'.
وهكذا، فهمنا خطر الشيعة وحزب الله على امننا الوطني، ولكن من هم أذنابهم حتى نحذر منهم؟
وهكذا يعيد هؤلاء الناس ذكرى مشينة لهم، أولا، ولكل أدعياء التيار الإسلامي من الصنف الذي يحتكر الوطنية والإسلام عندما كانوا يصرخون اثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان مشجعين الإسرائيليين ضد حزب الله الشيعي وكتبوا وصرحوا، بأن الشيعة أخطر علينا من إسرائيل والصهيونية وهذا الفريق ضم السلفيين، أما الإخوان فقد نددوا بالعدوان وساندوا حزب الله، وحين يأتي الآن كمشيش ليكرر ذلك بصيغة أخرى وهو من ترك جماعته لعدم انفتاحها، فاننا إزاء موقف محير، خاصة مع عودة نغمة العداء للشيعة للظهور، والمدهش أن تأييد بعض السلفيين - أقول بعض - لإسرائيل ضد أخوتنا الشيعة العرب، لو قارناهم بموقف الشيخ حسن نصر الله، أثناء الغزو الأمريكي - البريطاني للعراق عام 2003 عندما خطب علنا مهاجما موقف إيران، وداعيا لمساندة العراق انطلاقا من عروبته رغم كرهه لنظام صدام حسين، لطلبنا من هذا الفريق الذين يسيئون للإسلام ان يضعوا رؤوسهم في الطين حتى لا نرى وجوههم ولو لعدة دقائق حتى نتمكن من الانتقال الى القضية الأخرى في التقرير.
إصرار البعض على تدمير
الجمعية التأسيسية للدستور
وإلى معركة اللجنة التأسيسية للدستور، والدعاوى المرفوعة لبطلانها أمام محكمة القضاء الإداري التي أحالتها الى المحكمة الدستورية العليا، وقول القيادي الإخواني وعضو اللجنة وأستاذ الجامعة الدكتور محمد جمال حشمت في مقاله بـ'الأهرام' يوم الأربعاء: 'أتعجب من إصرار البعض على تدمير الجمعية التأسيسية للدستور عن رغبة وفهم، وهم قلة لا تجاوز عدد أصابع اليدين ومن خلفهم ببغاوات يرددون نفس الطلب بنفس المبررات التي يذكرها زعماء الهدم والتصفية دون أن يفهموا أو يدرسوا، أو يمتلكوا القدرة على تفسير ما يطالبون به من عينة سيطرة فصيل واحد على الجمعية، ويقصدون الإسلاميين، والناظر لتشكيل الجمعية يجد ان أغلبية الأحزاب والاتجاهات السياسية وجميع القوى ممثلة في الجمعية، وهو ما توافق عليه كل من شارك في الحوار الذي سبق انتخابات الجمعية التأسيسية الثانية من الأحزاب والقوى السياسية، لماذا يصر من سعي لحل الجمعية التأسيسية الأولى وشجع على حل البرلمان وهلل له على حل الجمعية الثانية بإصرار هل يكره الاستقرار الذي هو مفتاح التنمية الحقيقية'.
والملاحظ هنا ان حشمت الذي كان محسوبا على الجناح المعتدل والمستنير في الجماعة عندما كانت في المعارضة أيام مبارك بدأ بعد وصولها للسلطة يتحول الى التشدد والطابع الانتقامي من خلال توجيه نفس الاتهامات التي كان نظام مبارك يوجهها إليه، الى المعارضين للإخوان، وبدأ يقلب الحقائق متخليا عن الموضوعية، فمن يهاجمون تشكيل اللجنة والمطالبة بحلاهم من اكبر اساتذة القانون في البلاد ومن كبار السياسيين الذين ناضلوا ضد نظام مبارك وساهموا في إسقاطه، ولا يليق أن يتحدث عنهم بهذا القدر من التعالي والعدوانية، ويصور الأمر على انهم لا يريدون الاستقرار، لأن الحل الأول للجنة ولمجلس الشعب كان لمخالفات قانونية في التشكيل، وهو ما ينطبق على اللجنة الحالية، فلماذا التغطية على السبب الحقيقي؟
كيف تعمل الجماعة في الدستور
وقبل أن أواصل هجومي فوجئت بزميلنا بـ'الوفد' علاء عريبي يقول لي، دعه لي هو وجماعته ولجنته الدستورية، فأسعدني طلبه وقلت له، حباً وكرامة، ارنا شيئاً مفرحاً، فانشد يقول: 'اطرف مواد تقرؤها في مسودة الدستور التي طرحتها جماعة الإخوان منذ أسبوع، توضح بشكل كبير، كيف تعمل الجماعة من خلال بعض التابعين لها في التأسيسية.
المادة الأولى: أضافت الجماعة فقرة عن الدولة المصرية تفطس من الضحك، تقول:
'وهي موحدة لا تقبل التجزئة'.
وكأن هناك دولا تنص في دستورها على ان أراضيها تقبل التجزئة، أو أنها دولة يمكن تجزئتها الى جزأين أو ثلاثة أو أكثر، الطريف في هذه الفقرة أن من اقترحوها ظنوا ان وجودها في الدستور سوف يحصن البلاد من التجزئة وأن من يسعون الى التجزئة سوف يتراجعون عندما يصطدمون بفقرة مثل هذه في الدستور، أو انهم بعد تقسيمهم للبلاد أو اجتزاء قطعة من أراضيها سوف يتصدى لهم لمعارضون بفقرة لا يجوز التجزئة، وساعتها سيعتذرون ويعلنون أسفهم وتراجعهم، ومن ثم يعيدون للبلاد القطعة التي اجتزءوها منها'.
طبعا، هذه فقرة في وضع الإخوان لها في الدستور حكمة لا يدركها أمثال علاء، وإنما يدركها مثلي من أهل الحكمة والدهاء، وهو انه في حالة قيام مجموعة ما بإعلان انفصال جزءا من بلادنا، يمكن أن نحرجها إحراجاً شديداً برفع دعوى بطلان أمام المحكمة الدستورية العليا، أو التقدم بشكوى لمجلس الأمن وطلب تدخل الناتو، ومبرر هذا النص حقيقي، فقد رأينا في الأيام الماضية إعلان أهالي قرية السرو بمحافظة دمياط، انفصالها عن المحافظة بسبب مشاكل المجاري والقمامة والإهمال، وهو ما أوحى للإخوان برضع الفقرة.
الجمعية التأسيسية فاقدة
للشرعية السياسية والأخلاقية
اما زميلنا وائل لطفي رئيس التحرير التنفيذي لجريدة 'الصباح' اليومية المستقلة، فقد شدد في نفس اليوم على من قال علاء انهم تابعون للإخوان في اللجنة التأسيسية: 'سيذكر التاريخ أن الجمعية التأسيسية هي جمعية فاقدة للشرعية السياسية والأخلاقية قبل ان تكون فاقدة للشرعية الدستورية، وأن مجموعة من السياسيين جمعتهم المصلحة وأرادت أن تحافظ للحاكم على صلاحيات فرعون، وكأن لا ثورة قامت ولا شهداء سقطوا ولا أرواح صعدت الى بارئها وهي تغني نشيد الحرية، سيذكر التاريخ ان مجموعة قليلة من جماعة الإخوان والموالين لها، أو مواليها حكمت وتحكمت وأعادت صياغة مواد الدستور وفق ما تمليه الجماعة وليس وفق ما تمليه مصلحة مصر، وأن مجموعة من المؤلفة قلوبهم من مدعي المدنية والليبرالية لعبوا وتلاعبوا وهددوا، ثم تراجعوا واسكتوا ضمائرهم بمخدر السلطة وخمر الاقتراب من الحكام، ولا يعني هذا ان التأسيسية لا تضم قمماً وقيماً محترمة، لكن الأداء العام لهذه الجمعية يؤكد انها جمعية الاشقياء'.
وما قاله وائل صحيح الى حد ما، لأن الحقيقة أسوأ، وسوف يقوم الإخوان أنفسهم فيما بعد بكشف هذه العناصر التي ادعت الليبرالية والثورية وباعت نفسها لهم، لأن الإخوان خبراء في معرفة مراكز القوة السياسية الحقيقية الموجودة والصاعدة ايضا والتي تشكل منافسة وخطرا عليهم، لا هؤلاء الذين يريدون مناصب وخلافه، ولذلك سوف يواصلون دعوتها للتحاور معهم والمصالحة، وهي اللعبة التي يقومون بها الآن، ليفلتوا من الكوارث التي تحيط بهم، فهناك الأزمة الاقتصادية الطاحنة والقلاقل الاجتماعية المتلاحقة، حيث اكتشفوا ان للسياسة وجوها أخرى وأن حرارة نيران المشاكل الاجتماعية والصراع الطبقي، سوف تشوى جلودهم، ولن يخفف منها استخدامهم الدين والمواعظ، وتوزيع صدقات وزكاة على بعض الفقراء، وأن عليهم مواجهة الحقيقة، وهي اتخاذ إجراءات اقتصادية صارمة للافلات من الكارثة.
وحتى تقبل بعثة صندوق النقد الدولي التي ستصل الى مصر يوم الثلاثاء القادم، منح القرض البالغ أربعة آلاف مليون وثمانمائة مليون دولار، بعد ان تطلع على خطة الحكومة في الإصلاح الاقتصادي، وهو ما يمهد له رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل من التصريح بأن التقشف ضروري دون ان يكشف عنه، وما كشفته تصريحات سابقة لكل من وزيري الاقتصاد والاستثمار عن دراسة تصفية شركات عامة وادخال القطاع الخاص شريكا فيها، وكانا يشيران الى شركات نسيج، والحقيقة انهما يشيران الى العودة للخطة، الفاشلة لجمال مبارك ووزير الاستثمار محمود محيي الدين لبيع كل ممتلكات الدولة في مشروع الصكوك، وهي الخطة التي فشلت، وأشرنا اليها من قبل، ومنذ عشرة أيام تحدى عمال شركات النسيج الوزيرين ان ينفذا ما طالبا به.
أي اننا امام مرحلة من الاضطرابات الاجتماعية أشد خطرا من الموجود حاليا ويعجز النظام عن مواجهتها بالإضافة الى المعارك التي فتحها عامدا متعمدا مع قوى ومؤسسات اخرى خرج منها خاسرا ومدحورا مذموما.
ولذلك كله، يصر الإخوان على بقاء عناصر كثيرة من غيرهم في الوزارة، ويدعون الأحزاب والقوى السياسية الأخرى الى التحاور، ويجتمع بهم الرئيس، لإقناعهم بالاشتراك معهم في الحكم، حتى لا يتحملوا وحدهم عبء كارثة القرارات القادمة، ويحملونها لغيرهم إذا اندلعت المظاهرات، ووقتها لن ينفعهم دستور يضعونه كما يريدون، ولا متاجرة بالدين، لأن الناس الذين سيخرجون عليهم سيخرجون بسبب مشاكلهم الاقتصادية، لا الدينية، ولن يقبلوا منهم او من السلفيين أية أعذار، ولذلك يستميت الإخوان هذه الأيام في الدعوة للمصالحة، أي يريدون أن يركبوا فوق أكتاف الآخرين لعبور الأزمة، ثم ينزلون من فوقهم ويدفعونهم على الأرض ويهربوا بالحكم، وحدهم.
الاخوان يتهمون القوى السياسية
بعرقلة بناء مؤسسات الدولة
وقد عبر عن هذا الإحساس بالخوف لدى الجماعة من مواجهة الأزمات وحدهم، زميلنا عادل الانصاري رئيس تحرير 'الحــــرية والعــــدالة' بقــــوله امس: 'أرى أن الواجب الوطني يحتم على إخواننا في التيارات الليبرالية واليسارية الاعتذار للشعب المصري عن محاولات عرقـــــلة بناء مؤسسات الدولـــة، وعمليات الخلط الواسع بين المعارضة من ناحية وبين المشاركة الفاعلة في بناء مؤسسات الدولة، وأول مراتب الاعتذار العودة الى الحق، وقبول الشراكة الحقيقية في الهموم والمشاكل التي تعاني منها مصر خلال هذه المرحلة بدلا من إلقاء التهم وإظهار الخصومة، ولا أتصور ان الشعب بحاجة الى اعتذارات قولية أو كلمات معسولة من المتجاوزين والمنصرفين عن العمل الى الكلام والسباب، ولكنه قد يتجاوز عنهم إذا شعر بعودة حقيقية وممارسة جادة تتناسب مع حاجاته ومطالبه'.
ولا أعرف ما حاجة الجماعة مادام الشعب معها الى التيارات الليبرالية واليسارية، التي ابتعدت عن الحق، أي أصبحت من أهل الباطل، وما الذي يمنع الجماعة من تطبيق برنامجها الذي عرضته على الناخبين وطالبتهم بالتصويت لها، وتريد من دعاة برامج أخرى رفضها الشعب مشاركتهم؟
ونشرت الصحف كلمة الرئيس مرسي أمام مؤتمر الدعاة، ومحادثاته مع أمير قطر، واجتماعه مع عدد من ممثلي الأحزاب والقوى السياسية، بينما رفضت الأحزاب المعارضة الرئيسية قبول الدعوة ونشرت الصحف حضور وزير الدفاع الفريق اول عبدالفتاح السيسي، المناورة العسكرية، بينما واصلت صحيفة الإخوان 'الحرية والعدالة'، موقفها في تجاهل أي أخبار عن الوزير حتى يظل اسمه مجهولا لدى قيادات وضباط وجنود الجيش.
وتم الإعلان عن وصول بعثة صندوق النقد الدولي الى مصر بعد انتهاء اجازة العيد، لمناقشة خطة الحكومة التي وضعتها وعلى رأسها سيوافق البنك على منحها القرض الذي تطلبه وقدره أربعة آلاف مليون وثمانمائة مليون دولار، وهو ما تتهرب الحكومة وحزب الإخوان من إعلانه للناس حتى الآن.
وبالمناسبة فان هناك علاقة بين تحديد قيمة القرض المطلوب وبين حصة مصر في الصندوق، وهي تبلغ ألفا وستمائة مليون دولار، ويحق لأي دولة أن تطلب قرضا بما يوازي حصتها مرتين، ولهذا فان الحكومة السابقة التي ترأسها الدكتور كمال الجنزوري كانت قد طلبت قرضا قدره ثلاثة آلاف ومائتي مليون دولار، وهو ما رفضه الإخوان باعتباره ربا والعياذ بالله - ثم طلبوا زيادته إلى أربعة آلاف وثمانمائة مليون دولار، استنادا الى نص يبيح للدولة العضو طلب قرض يوازي ثلاثة أضعاف حصتها إذا اقتنع الصندوق بقدرتها على الوفاء به.
ايضا وافقت وزارة الداخلية على إقامة مباراة فريق النادي الأهلي مع الترجي التونسي في استاد مدينة برج العرب بحضور جمهور سيتم تحديده، كما هاجمت قوات الأمن إحدى الشقق في الحي العاشر بمدينة نصر بالقاهرة كان يختبىء فيها تاجر أسلحة كما نشرت الصحف، وإرهابي في صحف أخرى ومقتله بعد اشتباك مع الشركة وانفجار احدى القنابل، وتأييد محكمة الجنايات حكم محكمة الاستئناف الإفراج عن رئيس مجلس الشعب الاسبق خفيف الظل الدكتور أحمد فتحي سرور.
وإلى بعض مما عندنا، وكل عام ونحن بخير مسلمين ومسيحيين عرب.
الإخوان والعروبة وتمزيق
مصر ودول المشرق والخليج
يلحظ القارىء منذ مدة، انني بدأت أفرد مساحة كبيرة نوعا ما، إلى وقائع تاريخية أراها أكثر من ضرورية، الآن وفي المرحلة القادمة، لأن معرفتها الحقيقية أحد أسلحة الصراع السياسي الذي سوف يتصاعد بعد نجاح الإخوان المسلمين والسلفيين في الوصول إلى الحكم في عدد من الدول العربية، مثل مصر وتونس والمغرب وليبيا، وهم يقومون، أما عن عمد، أو جهل بتزوير في وقائع التاريخ التي لا يعلمها شبابنا في العالم العربي، لأنه لم يعايشها أو يقرأها عنها، لدفعة لاتخاذ المواقف السياسية التي تعتنقها هذه القوى وتسعى لتحقيقها، في إطار مشروعها لبناء خلافة إسلامية كما تتوهمه، لضرب الدعوة للوحدة العربية، وتصوير دعاة الوحدة القائمة على الرابطة القومية التي تجمع المسلم والمسيحي العربي، وكأنهم ضد الإسلام، ويعملون على إثارة الكراهية لا بين المسلمين والمسيحيين فقط، ولكن بين المسلمين السنة والشيعة العرب، وهم بذلك، لا يهددون دعوة الوحدة العربية فقط، وإنما يهددون بتقسيم الدول العربية القائمة على أساس وطني، فهي دعوة للشيعة العرب في العراق ولبنان والعلويين في سورية والشيعة في البحرين وفي سلطنة عُمان وفي المنطقة الشرقية من السعودية وفي الكويت، والإمارات، بالانفصال وطلب الوحدة مع إيران ما دام المذهب سيكون بديل الوطنية والعروبة على أيدي الإخوان والسلفيين، وسيطلب المسيحيون في مصر ولبنان الانفصال ايضا، وهذا هو المشروع الحقيقي لهذه التيارات والأحزاب الدينية، أي تمزيق مصر ودول المشرق والخليج، والمستفيد إسرائيل وإيران.
معاداة الشيعة تحت غطاء الدفاع عن الاسلام
ولذلك لابد من الانتباه الى خطورة الحملات التي يشنونها ضد القومية العربية ودعاتها وضد أشقائنا الشيعة، تحت غطاء الدفاع عن الإسلام والدعوة للخلافة وقد اندهشت من قيام أحد عناصر الإخوان المستنيرة والذي خرج من الجماعة مع غيره لأنهم من الجناح المعتدل فيها وهو صاحبنا مصطفى كمشيش من تطرفه ضد الشيعة بقوله في 'المصريون' يوم السبت قبل الماضي: 'تداعت العلاقات المصرية - الإيرنية بعد قيام ثورة الخوميني وكان النظام في مصر 'السادات ثم مبارك' في حالة توجس مستمر من فكرة تصدير الثورة الإيرانية لمصر وقد استضاف السادات الشاه في مصر بعد أوصدت في وجهه كل دول العالم وساندت مصر العراق في حربها ضد إيران 'دون أي اكتراث بالعلاقات المقطوعة مع العراق الذي تصدر ما سمي جبهة الصمود والتصدي ضد مصر بعد أن أبرمت معاهدة السلام مع الصهاينة'، وحين نظرت إيران إلى مصر بعد ثورة 25 يناير وخاصة عند مشهد الاستحقاق الرئاسي فوجدت قائمة من المرشحين يعبرون عن تنوع سياسي واضح، فلم يكن لإيران أن تفضل أو تدعم أو تهوى رئيساً ينتسب للنظام السابق 'بعد كل ما جرى في نهر العلاقات' ولم يكن لها أن ترغب في رئيس 'إسلامي' لأنه سيكون سنياً ويمكن أن يقف حجر عثرة أمام المشروع التوسعي الشيعي في المنطقة فكان طبيعيا أن تكون ميول إيران في مصر ناصرية، وهذه الميول ليست جديدة لكنها مستقرة في السياسة الإيرانية منذ أيام الخوميني ذكر 'فتحي الديب' في كتابه 'عبدالناصر وثورة إيران'، الناشر وكالة الأهرام 'كانت ثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبدالناصر ومنذ بداية الاعداد لثورة إيران على اتصال بقادة الثورة الإيرانية تمدهم بالدعم والتأييد في كل المجالات الإعلامية والنضالية انطلاقا من إيمان عبدالناصر بحق الشعوب في الحياة الحرة وحقها المشروع في فرض إرادتها على أرضها والاستمتاع بثرواتها لصالح رفع مستوى معيشة جماهيرها بلا منازع - وإن كان الإمام الخوميني قد أشار إلى هذه العلاقة الوطيدة بجمال عبدالناصر وثورة 23 يوليو في الأيام الأولى لاندلاع الثورة، إن أخطر ما أصاب مصر بعد قيام ثورة 25 يناير 'التي قامت بالأساس ضد نظام العسكر الذي دشنه جمال عبدالناصر' هو حالة الفوضى وما اتبعها من دخول أموال كثيرة من دول عدة بغرض الدعم السياسي لأطراف بعينها لتحقيق مصالح الداعمين وما قضية التمويل لبعض منظمات المجتمع المدني ببعيدة، وقد تم تهريب الأمريكان لتفادي فتح هذا الملف، إن المال الإيراني 'كغيره' لا يمكن أن يغيب عن المشهد المصري ولا يمكن تجاهل 'الهوى الناصري الإيراني' كما لا يمكن التغافل عن سعي طهران الحثيث على إزالة العقبات التي تحول دون نشر المذهب الشيعي في البلاد العربية وخاصة مصر'.
اتهام عبد الناصر
وصباحي بالعمالة لايران
هذا ما كتبه مصطفى كمشيش، وقد أحسست بأسف شديد لهذا التحول المفاجىء الذي أبعده تماما عن القدر الذي تمتع به من الأمانة التاريخية والموضوعية، وتغلبت عليه نوازع الأحقاد والأكاذيب التي يزرعها الإخوان في عقول أعضائهم ضد ثورة يوليو وخالد الذكر، اعتمادا على انهم لا يقرأون إلا لما يكتبه كتبة الجماعة، وتعمي أبصارهم حكاية البيعة والاعتقاد بأنهم ملائكة وسط كفار، وهي الحالة التي يفلت منها كل من يطلع ويفهم ويقارن وله ضمير يقظ، وهو ما اثبتته مصطفى في كثير من مقالاته.
ولهذا فوجئت بأنه يريد منافسة قادة الإخوان الذين يهاجمهم لعلهم يلقون إليه نظرة، فابتسامة فسلام فدعوة للعودة ثم يكون من الشاكرين، ذلك ان أياً منهم لم يتجرأ حتى الآن.
واتهام زميلنا وصديقنا حمدين صباحي بالعمالة لإيران وتلقي الأموال منها، ولأن الناصريين هم الذين سوف ينشرون المذهب الشيعي في مصر ويحاربون المذهب السني، 'الذي يعتنقه الرئيس مرسي، فأكثر الإخوان كراهية لحمدين والذين رأوا فيه المنافس الأشد خطرا لم يقولوا بهذا أبدا.
ولكن ما يعنينا هنا هو محاولته استخدام لوقائع التاريخية بشكل خاطىء ليخرج باستنتاجات سياسية تثير العجب، ذلك أن الدعم الذي قدمه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ييه، آسف، قصدي خالد الذكر، للحركات الثورية المناوئة لشاه إيران محمد رضا بهلوي، وللإمام الخوميني معروفة، ولقاء الخوميني عندما كان في العاصمة الفرنسية باريس اثناء الثورة وقبل ان يصل الى ايران بعد خروج الشاه منها، لقاؤه مع استاذنا الكبير محمد حسنين هيكل كأول صحفي يقابله معلنة ثم زياراته لإيران بعد عودة الخوميني وكتابه - مدافع آية الله - وغيره من المقالات والأحاديث ومكانته المتميزة لدى الإيرانيين معروفة، ومقاومة خالد الذكر لشاه إيران كانت لأنه يعمل لحساب أمريكا في بناء شبكة الأحلاف العسكرية مع تركيا وباكستان، وأطماعه في دول الخليج، إذ كان يعتبر البحرين جزءا من إيران ويخصص لها مقعدا في مجلس النواب ويطالب بريطانيا بردها إليه عند جلاء قواتها عنها عام 1971.
وهو ما انتهى إليه الأمر بالاتفاق على إجراء استفتاء شعبي يختار فيه البحرينيون، أن يكونوا دولة عربية مستقلة أو جزءاً من إيران، فاختاروا بأغلبية كاسحة ساحقة، عروبتهم والاستقلال والانضمام للجامعة العربية، وكان على رأس من اختاروا عروبتهم قبل مذهبهم الديني، هم الشيعة.
وعندما قامت الثورة الإيرانية لقيت تأييداً كاسحا من الشعوب والقوى السياسية العربية، لأنها سوف تسقط عميلاً لأمريكا وصديقنا مخلصاً لإسرائيل، وكان على رأس المؤيدين الإخوان المسلمون، ومرشدهم الثالث المرحوم عمر التلمساني، وهو ما دفع السادات الى مهاجمته في خطبة علنية عندما قال:
- الله، ده عايز يبقى خوميني مصر.
الخلافة الإسلامية العثمانية السنية
وبعد نجاح الثورة الإيرانية بدأ التحول المضاد، عندما أكدوا انهم سوف يصدرونها أولا للدول العربية، ودعوا إلى وحدة إسلامية، ثم أخذوا يهاجمون العروبة والقومية العربية مستخدمين نفس العبارات التي يستخدمها الإخوان المسلمون الآن، بل واعتبروها مؤامرة لتفكيك الخلافة الإسلامية العثمانية السنية أي أنهم في وحدة مع الإخوان، وهو ما ظهر من خلال البحوث المقدمة في المؤتمر العالمي الأول للفكر الإسلامي الذي عقد في طهران عام 1983 في الذكرى الرابعة لانتصار الثورة، ثم توالت الهجمات ضد البعثية والناصرية، وأصدر المركز اإسلامي للأبحاث السياسية في مدينة قم كتابا عنوانه - حركة القومية العربية دراسة موضوعية في ميلادها ووسائل انتشارها، للباحث العراقي ضياء الدين أحمد، كتب مقدمته الثانية حجة الإسلام والمسلمين محمد مهدي الآصفي - كما تم التعريف به، دافع فيه عن دولة الخلافة العثمانية السنية قال فيها بالنص: 'من خلال التأمل والمطالعة في مسار الأحداث السياسية لهذه الفترة التي بذلها الغرب لإسقاط الدولة العثمانية والحيلولة دون قيام دولة إسلامية بعدها في المنطقة، نصل إلى نتيجة واضحة في هذا الأمر، وتلك، ان الغرب جعل من القومية أداة لاسقاط دولة الخلافة العثمانية، كما اتخذ الغرب من القومية أداة لتجزئة العالم الإسلامي الى دول وأنظمة متعددة وولاءات مختلفة وإقامة سياج من القومية بين أطراف وأجزاء العالم الإسلامي وفصل هذه الأجزاء عن بعضها وعزلها عن الأجزاء الأخرى عن طريق هذا السياج العازل'.
الصراع التاريخي المسلح
بين الدولتين العثمانية والصفوية
والملاحظ هنا، انه بينما اهتم بالهجوم على القومية فانه تناسى تماما الصراع التاريخي المسلح بين الدولة العثمانية السنية، والدولة الشيعية الصفوية في إيران.
وعلينا ملاحظة هذا القدر من العداء للعروبة والوحدة العربية الذي يجمع بين القوى الدينية الإسلامية، سنية وشيعية وبين إسرائيل وغيرها من القوى الأمريكية والأوروبية وبين أعداء العروبة من دعاة الدولة الوطنية، على الرغم من العداء المميت في ما بينهم ورغم دعوات العداء نحو الشيعة التي يتزعمها من مدة الشيخ يوسف القرضاوي والإخوان المسلمون لدرجة أن الرئيس محمد مرسي في أول زيارة له للسعودية عرض على ملكها عبدالله بن عبدالعزيز تكوين تحالف مصري سعودي سني، وهو ما رفضه، ثم دعا الملك فيما بعد الى حوار اصحاب المذاهب الإسلامية، وتشارك في الحملة ايضا كل الجماعات الدينية والسلفية وفريق من الذين يدعون أنهم ليبراليون وعلمانيون، وهذا التحالف الواسع ضد عروبة المنطقة والدعوة الى وحدتها يكشف لنا عن الخطر الذي يهددنا من جانب الذين يستخدمون الدين ضد العروبة ليخدموا في النهاية إسرائيل، سواء كانوا سنة أو شيعة، فهم في النهاية حلفاء ضد وحدة أمتنا.
وعلى كل حال فإذا كانت إيران تساعد أحدا في مصر فسيكون الإخوان المسلمين، عن طريق حماس، لأنها تقدم مساعدة مالية سنوية معلنة لحماس، وتعترف حماس بها، وحماس إخوان، ولها علاقة تبعية بالإخوان في مصر، ويمكن أن تسرب إليهم إيران المساعدة عن طريقها، لا إلى حمدين صباحي والناصريين، والرئيس مرسي وليس أحدا من الناصريين هو الذي دعا لإنشاء تجمع من إيران ومصر وتركيا والسعودية لحل الأزمة السورية، وقاطعت السعودية السنية اجتماعاتها.
وفي النهاية لن امل من التحذير من خطورة هذه القوى والأحزاب التي تستخدم الإسلام أو الوطنية الضيقة لمحاربة العروبة والدعوة للوحدة العربية، وإثارة الكراهية والحرب بين المسلمين العرب السنة والشيعة، فهم في النهاية ستجدهم مربطون بإسرائيل، والأيام بيننا عندما نتكشف حقيقتهم.
وستكون فضيحتهم بجلاجل وصاجات وطبول ومزامير ونحن نغني في تجريسهم، بلاد العرب أوطاني، من تطوان الى بغادان، أي بغداد، كما قال الشاعر حتى يضبط بيت الشعر.
لمصلحة من يُصور
الشيعة بأم الشرور؟
ومن عجب ان يتسبب كمشيش في تشجيع صاحبنا هاشم بكري أن يكتب مقالا يوم الأربعاء في نفس الجريدة عنوانه - حقيقة الشيعة - بدأه بالقول: 'الفرق الهدامة الضالة المضلة وعلى رأسها الشيعة وابنها المدلل حزب الله، تمثل خطرا على أمن مصر بعدما اضرت الكثيرين، الشيعة أم الشرور، نظرا لأنها فرقة تقيم شعائر الدين الظاهرة وتبطن كل ما يخالف الدين، وهي الفرقة الأكثر انتشارا والأكثر تأثيرا والأكثر عددا في بعض المناطق والأخطر على الأمة من الصهاينة هي وأذنابها'.
وهكذا، فهمنا خطر الشيعة وحزب الله على امننا الوطني، ولكن من هم أذنابهم حتى نحذر منهم؟
وهكذا يعيد هؤلاء الناس ذكرى مشينة لهم، أولا، ولكل أدعياء التيار الإسلامي من الصنف الذي يحتكر الوطنية والإسلام عندما كانوا يصرخون اثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان مشجعين الإسرائيليين ضد حزب الله الشيعي وكتبوا وصرحوا، بأن الشيعة أخطر علينا من إسرائيل والصهيونية وهذا الفريق ضم السلفيين، أما الإخوان فقد نددوا بالعدوان وساندوا حزب الله، وحين يأتي الآن كمشيش ليكرر ذلك بصيغة أخرى وهو من ترك جماعته لعدم انفتاحها، فاننا إزاء موقف محير، خاصة مع عودة نغمة العداء للشيعة للظهور، والمدهش أن تأييد بعض السلفيين - أقول بعض - لإسرائيل ضد أخوتنا الشيعة العرب، لو قارناهم بموقف الشيخ حسن نصر الله، أثناء الغزو الأمريكي - البريطاني للعراق عام 2003 عندما خطب علنا مهاجما موقف إيران، وداعيا لمساندة العراق انطلاقا من عروبته رغم كرهه لنظام صدام حسين، لطلبنا من هذا الفريق الذين يسيئون للإسلام ان يضعوا رؤوسهم في الطين حتى لا نرى وجوههم ولو لعدة دقائق حتى نتمكن من الانتقال الى القضية الأخرى في التقرير.
إصرار البعض على تدمير
الجمعية التأسيسية للدستور
وإلى معركة اللجنة التأسيسية للدستور، والدعاوى المرفوعة لبطلانها أمام محكمة القضاء الإداري التي أحالتها الى المحكمة الدستورية العليا، وقول القيادي الإخواني وعضو اللجنة وأستاذ الجامعة الدكتور محمد جمال حشمت في مقاله بـ'الأهرام' يوم الأربعاء: 'أتعجب من إصرار البعض على تدمير الجمعية التأسيسية للدستور عن رغبة وفهم، وهم قلة لا تجاوز عدد أصابع اليدين ومن خلفهم ببغاوات يرددون نفس الطلب بنفس المبررات التي يذكرها زعماء الهدم والتصفية دون أن يفهموا أو يدرسوا، أو يمتلكوا القدرة على تفسير ما يطالبون به من عينة سيطرة فصيل واحد على الجمعية، ويقصدون الإسلاميين، والناظر لتشكيل الجمعية يجد ان أغلبية الأحزاب والاتجاهات السياسية وجميع القوى ممثلة في الجمعية، وهو ما توافق عليه كل من شارك في الحوار الذي سبق انتخابات الجمعية التأسيسية الثانية من الأحزاب والقوى السياسية، لماذا يصر من سعي لحل الجمعية التأسيسية الأولى وشجع على حل البرلمان وهلل له على حل الجمعية الثانية بإصرار هل يكره الاستقرار الذي هو مفتاح التنمية الحقيقية'.
والملاحظ هنا ان حشمت الذي كان محسوبا على الجناح المعتدل والمستنير في الجماعة عندما كانت في المعارضة أيام مبارك بدأ بعد وصولها للسلطة يتحول الى التشدد والطابع الانتقامي من خلال توجيه نفس الاتهامات التي كان نظام مبارك يوجهها إليه، الى المعارضين للإخوان، وبدأ يقلب الحقائق متخليا عن الموضوعية، فمن يهاجمون تشكيل اللجنة والمطالبة بحلاهم من اكبر اساتذة القانون في البلاد ومن كبار السياسيين الذين ناضلوا ضد نظام مبارك وساهموا في إسقاطه، ولا يليق أن يتحدث عنهم بهذا القدر من التعالي والعدوانية، ويصور الأمر على انهم لا يريدون الاستقرار، لأن الحل الأول للجنة ولمجلس الشعب كان لمخالفات قانونية في التشكيل، وهو ما ينطبق على اللجنة الحالية، فلماذا التغطية على السبب الحقيقي؟
كيف تعمل الجماعة في الدستور
وقبل أن أواصل هجومي فوجئت بزميلنا بـ'الوفد' علاء عريبي يقول لي، دعه لي هو وجماعته ولجنته الدستورية، فأسعدني طلبه وقلت له، حباً وكرامة، ارنا شيئاً مفرحاً، فانشد يقول: 'اطرف مواد تقرؤها في مسودة الدستور التي طرحتها جماعة الإخوان منذ أسبوع، توضح بشكل كبير، كيف تعمل الجماعة من خلال بعض التابعين لها في التأسيسية.
المادة الأولى: أضافت الجماعة فقرة عن الدولة المصرية تفطس من الضحك، تقول:
'وهي موحدة لا تقبل التجزئة'.
وكأن هناك دولا تنص في دستورها على ان أراضيها تقبل التجزئة، أو أنها دولة يمكن تجزئتها الى جزأين أو ثلاثة أو أكثر، الطريف في هذه الفقرة أن من اقترحوها ظنوا ان وجودها في الدستور سوف يحصن البلاد من التجزئة وأن من يسعون الى التجزئة سوف يتراجعون عندما يصطدمون بفقرة مثل هذه في الدستور، أو انهم بعد تقسيمهم للبلاد أو اجتزاء قطعة من أراضيها سوف يتصدى لهم لمعارضون بفقرة لا يجوز التجزئة، وساعتها سيعتذرون ويعلنون أسفهم وتراجعهم، ومن ثم يعيدون للبلاد القطعة التي اجتزءوها منها'.
طبعا، هذه فقرة في وضع الإخوان لها في الدستور حكمة لا يدركها أمثال علاء، وإنما يدركها مثلي من أهل الحكمة والدهاء، وهو انه في حالة قيام مجموعة ما بإعلان انفصال جزءا من بلادنا، يمكن أن نحرجها إحراجاً شديداً برفع دعوى بطلان أمام المحكمة الدستورية العليا، أو التقدم بشكوى لمجلس الأمن وطلب تدخل الناتو، ومبرر هذا النص حقيقي، فقد رأينا في الأيام الماضية إعلان أهالي قرية السرو بمحافظة دمياط، انفصالها عن المحافظة بسبب مشاكل المجاري والقمامة والإهمال، وهو ما أوحى للإخوان برضع الفقرة.
الجمعية التأسيسية فاقدة
للشرعية السياسية والأخلاقية
اما زميلنا وائل لطفي رئيس التحرير التنفيذي لجريدة 'الصباح' اليومية المستقلة، فقد شدد في نفس اليوم على من قال علاء انهم تابعون للإخوان في اللجنة التأسيسية: 'سيذكر التاريخ أن الجمعية التأسيسية هي جمعية فاقدة للشرعية السياسية والأخلاقية قبل ان تكون فاقدة للشرعية الدستورية، وأن مجموعة من السياسيين جمعتهم المصلحة وأرادت أن تحافظ للحاكم على صلاحيات فرعون، وكأن لا ثورة قامت ولا شهداء سقطوا ولا أرواح صعدت الى بارئها وهي تغني نشيد الحرية، سيذكر التاريخ ان مجموعة قليلة من جماعة الإخوان والموالين لها، أو مواليها حكمت وتحكمت وأعادت صياغة مواد الدستور وفق ما تمليه الجماعة وليس وفق ما تمليه مصلحة مصر، وأن مجموعة من المؤلفة قلوبهم من مدعي المدنية والليبرالية لعبوا وتلاعبوا وهددوا، ثم تراجعوا واسكتوا ضمائرهم بمخدر السلطة وخمر الاقتراب من الحكام، ولا يعني هذا ان التأسيسية لا تضم قمماً وقيماً محترمة، لكن الأداء العام لهذه الجمعية يؤكد انها جمعية الاشقياء'.
وما قاله وائل صحيح الى حد ما، لأن الحقيقة أسوأ، وسوف يقوم الإخوان أنفسهم فيما بعد بكشف هذه العناصر التي ادعت الليبرالية والثورية وباعت نفسها لهم، لأن الإخوان خبراء في معرفة مراكز القوة السياسية الحقيقية الموجودة والصاعدة ايضا والتي تشكل منافسة وخطرا عليهم، لا هؤلاء الذين يريدون مناصب وخلافه، ولذلك سوف يواصلون دعوتها للتحاور معهم والمصالحة، وهي اللعبة التي يقومون بها الآن، ليفلتوا من الكوارث التي تحيط بهم، فهناك الأزمة الاقتصادية الطاحنة والقلاقل الاجتماعية المتلاحقة، حيث اكتشفوا ان للسياسة وجوها أخرى وأن حرارة نيران المشاكل الاجتماعية والصراع الطبقي، سوف تشوى جلودهم، ولن يخفف منها استخدامهم الدين والمواعظ، وتوزيع صدقات وزكاة على بعض الفقراء، وأن عليهم مواجهة الحقيقة، وهي اتخاذ إجراءات اقتصادية صارمة للافلات من الكارثة.
وحتى تقبل بعثة صندوق النقد الدولي التي ستصل الى مصر يوم الثلاثاء القادم، منح القرض البالغ أربعة آلاف مليون وثمانمائة مليون دولار، بعد ان تطلع على خطة الحكومة في الإصلاح الاقتصادي، وهو ما يمهد له رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل من التصريح بأن التقشف ضروري دون ان يكشف عنه، وما كشفته تصريحات سابقة لكل من وزيري الاقتصاد والاستثمار عن دراسة تصفية شركات عامة وادخال القطاع الخاص شريكا فيها، وكانا يشيران الى شركات نسيج، والحقيقة انهما يشيران الى العودة للخطة، الفاشلة لجمال مبارك ووزير الاستثمار محمود محيي الدين لبيع كل ممتلكات الدولة في مشروع الصكوك، وهي الخطة التي فشلت، وأشرنا اليها من قبل، ومنذ عشرة أيام تحدى عمال شركات النسيج الوزيرين ان ينفذا ما طالبا به.
أي اننا امام مرحلة من الاضطرابات الاجتماعية أشد خطرا من الموجود حاليا ويعجز النظام عن مواجهتها بالإضافة الى المعارك التي فتحها عامدا متعمدا مع قوى ومؤسسات اخرى خرج منها خاسرا ومدحورا مذموما.
ولذلك كله، يصر الإخوان على بقاء عناصر كثيرة من غيرهم في الوزارة، ويدعون الأحزاب والقوى السياسية الأخرى الى التحاور، ويجتمع بهم الرئيس، لإقناعهم بالاشتراك معهم في الحكم، حتى لا يتحملوا وحدهم عبء كارثة القرارات القادمة، ويحملونها لغيرهم إذا اندلعت المظاهرات، ووقتها لن ينفعهم دستور يضعونه كما يريدون، ولا متاجرة بالدين، لأن الناس الذين سيخرجون عليهم سيخرجون بسبب مشاكلهم الاقتصادية، لا الدينية، ولن يقبلوا منهم او من السلفيين أية أعذار، ولذلك يستميت الإخوان هذه الأيام في الدعوة للمصالحة، أي يريدون أن يركبوا فوق أكتاف الآخرين لعبور الأزمة، ثم ينزلون من فوقهم ويدفعونهم على الأرض ويهربوا بالحكم، وحدهم.
الاخوان يتهمون القوى السياسية
بعرقلة بناء مؤسسات الدولة
وقد عبر عن هذا الإحساس بالخوف لدى الجماعة من مواجهة الأزمات وحدهم، زميلنا عادل الانصاري رئيس تحرير 'الحــــرية والعــــدالة' بقــــوله امس: 'أرى أن الواجب الوطني يحتم على إخواننا في التيارات الليبرالية واليسارية الاعتذار للشعب المصري عن محاولات عرقـــــلة بناء مؤسسات الدولـــة، وعمليات الخلط الواسع بين المعارضة من ناحية وبين المشاركة الفاعلة في بناء مؤسسات الدولة، وأول مراتب الاعتذار العودة الى الحق، وقبول الشراكة الحقيقية في الهموم والمشاكل التي تعاني منها مصر خلال هذه المرحلة بدلا من إلقاء التهم وإظهار الخصومة، ولا أتصور ان الشعب بحاجة الى اعتذارات قولية أو كلمات معسولة من المتجاوزين والمنصرفين عن العمل الى الكلام والسباب، ولكنه قد يتجاوز عنهم إذا شعر بعودة حقيقية وممارسة جادة تتناسب مع حاجاته ومطالبه'.
ولا أعرف ما حاجة الجماعة مادام الشعب معها الى التيارات الليبرالية واليسارية، التي ابتعدت عن الحق، أي أصبحت من أهل الباطل، وما الذي يمنع الجماعة من تطبيق برنامجها الذي عرضته على الناخبين وطالبتهم بالتصويت لها، وتريد من دعاة برامج أخرى رفضها الشعب مشاركتهم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق